12 - 05 - 2025

محاولة للفهم| تحية وحسرة

محاولة للفهم| تحية وحسرة

تحية "للمشهد" الجريدة والموقع، وحسرة على "المشهد" السياسى والاقتصادى والاجتماعى والأخلاقى فى مصر. أقول متابعة للحوار فى صحيفة المشهد حفظها الله تعالى، إن أى حوار – مهما كانت البدايات- أفضل من الصراع وخصوصا إن تحول الحوار إلى ظاهرة وطنية، بل تبنته الدولة بل أصبح وسيلة ناجحة آمنة للتفاهم مع الاختلاف وتنوع الآراء، واحترام الرأى الآخر مهما بدا سيئا أو شاذاً للمخالفين فى الرأى.

لن أدخل فى حوار بيزنطى أو منافسة أو حتى مناقشة حول الانجازات الخطيرة فى عهد السيسى كما يراها الأستاذ الجليل مختار نوح، وكما يراها كثيرون فى مصر، وبعضهم يحسبها  قليلا، ولا مدى الفرق بينها وبين الطموحات الكبيرة التى كنا نأمل فى تحقيقها، أيضا فى عهد الرئيس السيسى، وجميعنا يحب الخير لمصر. أو الأولويات التى يرى بعضنا خللاً فيها ، أو تحقيق أهداف الثورتين المجيدتين التى يرى بعضنا أن يونيو كانت إنقلابا، وبعضنا يقول لكل رئيس: آسفين ياريس.إننى أرى أن الحالة أو المشهد فى مصر - رغم الانجازات الهائلة والمشروعات الضخمة التى تعد بالالاف التى يركز عليها السيسى فى خطاباته، والتى أشار إليها الاستاذ الجليل مختار نوح كذلك وآخرون– يتلخص فى الصورة الآتية:

المشهد الأول:الفرق الهائل بين الأثرياء والفقراء. لا أقول أن أكثر أولئك الأغنياء لصوص أو من الفاسدين، وأن مصارف سويسرا وبنوكها والحسابات السرية فيها تزخر بأموال أولئك الأثرياء "الشرفاء"، وأن أولئك الفقراء من المظلومين المقهورين وهم بالملايين فى مصر. هذا المشهد يؤرقنى، وماذا يقدم لمستقبل مصر أو مصر المستقبل؟ أو ماذا فعلنا له منذ الثورتين حتى اليوم؟.

المشهد الثانى: حالة التعليم، وتضارب أقوال المسؤولين عن التعليم ومشكلاته وتحدياته، سواء فى المبانى أو المناهج أو المدرسين أو الدروس الخصوصية أو الامتحانات والغش والتسريب، تحديات إلى ما لا نهاية. وما ينطبق على التعليم ينطبق على الصحة وغيرها بدرجات متباينة.

المشهد الثالث: هو مشهد الراغبين فى الهجرة من مصر أو عبرها من دول الجوار، ومنهم مثقفون ومتعلمون لا تستفيد بهم مصر ولا غيرها من دولنا الميمونة، بل يستفيد الغرب منهم رغم شكواه المتكررة من تلك الهجرة، واستخداماتها كتهديد للغرب. ورغم أنهم تعلموا فى بلادنا، وأنفقنا عليهم فى مرحلة الشباب فإن البلاد كانت تنتظر الاستفادة منهم، وليس إضطرارهم للهجرة أو التفكير فى الهجرة.

المشهد الرابع: مشهد القرى المصرية حتى فى قلب الدلتا، التى لا تنعم حتى بماء صالح للشرب ناهيك عن الصعيد، ومشاكل الفلاحة والزراعة والصرف الصحى والطرق والأمراض والأوبئة وصعوبة التنقل وخصوصا فى أيام الشتاء والمطر فضلا عن البطالة المقنعة والظاهرة.

المشهد الخامس: هو مستقبل مصر فى ضوء القروض والأوامر التى يمليها صندوق النقد الدولى والدول المقرضة، حتى لو كانت الصين التى يزيد عدد السكان فيها عشرات المرات عن مصر، ولكنها تستفيد بمعظمهم فى التفكير والعمل والانتاج، وبذلك تغزو العالم، ولا تعتبر المليار ونصف من السكان عبئا أو مشكلة ليس لها من حل، كما يدور التفكير والتخطيط لحل هذه المشكلة فى مصر من زمن بعيد.

المشهد السادس : يكمن فى السيطرة الامريكية والصهيونية على مصر والمنطقة العربية، والتفكير لمستقبلها عن طريق صفقة القرن أو مشروع مجلس التعاون الخليجى الجديد، أو غيرها من المخططات. ووقوف مصر قبل السيسى وبعده فى الطابور العربى، فى إنتظار الحسنات والبركات والرضى من مجنون إسمه ترامب، ومجرم إسمه نتنياهو بدلا من قيادة العالم العربى لمستقبل أفضل.

المشهد السابع : يتمثل فى الانسياق وراء السعودية والامارات فى حروب أو صراعات لا ناقة لنا فيها ولا جمل مثل حرب اليمن أو حصار قطر ، ونتائج ذلك البشعة التى لايستفيد منها غير أعداء مصر وأعداء الأمة، والمغامرات التى تضيع فيها الامكانات البشرية والمادية، وتزداد فيها العداوات والكراهية بين الاشقاء.

المشهد الثامن: التكتل فى الصراع الاقليمى الذى تقف وراءه أمريكا واسرائيل بلا منازع، وحشد العرب ضد ايران، تارة بإثارة فتنة السنة والشيعة، وتارة بزعم التوسع الايرانى ونشر المذهب الشيعى، وكأن هذا المذهب من حديد، ومذاهب أهل السنة جميعا من ورق أو زجاج سهلة الكسر والتدمير والاختراق، وما يمكن أن سيتتبع ذلك من دمار متوقع إرضاء للسيد الأمريكى والصهيونى.

المشهد التاسع: يتمثل فى القواعد العسكرية الامريكية أو التغلغل والهيمنة فى المنطقة، لا أستثنى قطراً من ذلك ولا تركيا؛ بزعم حماية الأمن القومى العربى والاسلامى، وتوفير المساعدات العسكرية لبلادنا والاسلحة التى نقتل بها أنفسنا وتدريب قواتنا والمناورات المشتركة حتى مع الصهاينة.

المشهد العاشر: ولا أريد أن أزيد، دور مصر السيسى اليوم فى مواجهة كل تلك التحديات والتغلب عليها وقهر الارهاب والفساد والتخلف، ونشر الديموقراطية ودعم الحريات وحقوق الانسان، حتى نكون نموذجا يحتذى فى العالم أو الاقليم على الأقل، دون تقليد أو استغلال أو مزايدات. ونحن وراءه فى كل ذلك.

ولكننى أقول بوضوح كما قلت فى التلفاز من داخل مصر، علينا بمنهجة جديدة للخروج من المآزق العديدة، وعلينا بالانتفاع من القدرات والامكانات البشرية الكبيرة فى مصر، ولا نعتمد على الصوت الواحد أو الرأى الواحد، الذى لا يصلح فى الوقت الراهن لمواجهة الأزمات، ولا تصلح هذه المنهجية لبناء الدول فى العصر الحديث، ولا تقوم– اليوم -  الدول على فرد مهما كانت قدراته أو صلاحه، بل بالشورى والحريات واحترام الحقوق والدساتير وحسب أولويات مفقودة فى حالة مصر اليوم. 

وبمناسبة الرغبة فى تعديل الدستور لماذا لم يطالب المطالبون بالتعديل بتفعيل مادة واحدة كنموذج على النهضة والبناء ولتكن المادة (54) التى تنص على أن : 

(الحرية الشخصية حق طبيعى، وهى مصونة لا تُمس، وفيما عدا حالة التلبس، لا يجوز القبض على أحد، أو تفتيشه، أو حبسه، أو تقييد حريته بأى قيد إلا بأمر قضائى مسبب يستلزمه التحقيق.

ويجب أن يُبلغ فوراً كل من تقيد حريته بأسباب ذلك، ويحاط بحقوقه كتابة، ويُمكٌن من الإتصال بذويه و بمحاميه فورا، وأن يقدم إلى سلطة التحقيق خلال أربع وعشرين ساعة من وقت تقييد حريته.

ولا يبدأ التحقيق معه إلا فى حضور محاميه، فإن لم يكن له محام، نُدب له محام، مع توفير المساعدة اللازمة لذوى الإعاقة، وفقاً للإجراءات المقررة فى القانون.

ولكل من تقيد حريته، ولغيره، حق التظلم أمام القضاء من ذلك الإجراء، والفصل فيه خلال أسبوع من ذلك الإجراء، وإلا وجب الإفراج عنه فوراً.

وينظم القانون أحكام الحبس الاحتياطى، ومدته، وأسبابه، وحالات استحقاق التعويض الذى تلتزم الدولة بأدائه عن الحبس الاحتياطى، أو عن تنفيذ عقوبة صدر حكم بات بإلغاء الحكم المنفذة بموجبه.

وفى جميع الأحوال لايجوز محاكمة المتهم فى الجرائم التى يجوز الحبس فيها إلا بحضور محام موكل أو مٌنتدب.) إنتهت المادة. 

وكيف نثق فى أن النظام الذى أهمل هذه المادة وأخواتها خمس سنوات تقريبا، يمكن أن يعمل وفق التعديل الجديد أو يحترمه، إذا حان وقت الرحيل، وعدم التجديد مهما طالت المدة أو المدد؟.

أقول أنا لست ضد السيسى ولم أكن ضد مرسى، ولكننى نصحت فتعرضت لظلم من النظامين عندما تلمست بديلا مأمونا أو طريقاً ثالثا لمصر والأمة. وللحديث صلة.

وبالله التوفيق فى القول والعمل

مقالات اخرى للكاتب

محاولة للفهم| الدستور بين التهويل والتبعيض